المشاركات

عرض المشاركات من يناير, ٢٠١٧

أريدك أن تعرف- بابلو نيرودا

صورة
أريدك أن تعرف شيئاً واحداً: إذا أنا تطلعت إلى القمر البللوري وإلى الغصن الأحمر وإلى الخريف المتباطئ على نافذتي, إذا أنا لمست الرماد الذي لا يمكن لمسه وهو يتصاعد من النيران أو لمست عِرق الخشب المتغضن.  جميعها تحملني إليك !ِ كما لو أن كل ما في الوجود من عطر ونور ومعادن، هي سفائن صغيرة تبحر نحو جزرك  التي تنتظرني. حسناً، والآن إذا أنت توقفت عن حبي فسأتوقف كذلك، وإذا أنت يوماً نسيتني لا تبحث عني, فسأكون قد نسيتك. وإذا أنت ظننت أن رياح الرايات التي تعبر حياتي طويلة ومجنونة وقررت أن تتركني وحيداً على شاطئ القلب الذي تنبُت فيه جذوري, فتذكر أن في ذلك اليوم وفي تلك الساعة سأرفع ذراعيّ وستخرج جذوري  باحثة عن أرض أخرى لها.

ترجمة لصموئيل بيكيت

طريقي رمال منسابة بين الحصى والكثبان، عليّ ينهمر مطر الصيف، منيّ تلوذ حياتي بالفرار،  تفرُّ للبداية.. تفرُّ للنهاية * راحتي تكمن هناك حيث ينحسر الضباب حين أكف عن وطئ عتبات تأخذ بي لدروب طويلة، وأعيش بسلام بابٍ بسيطة،  ليس لها سوى أن تُفتح وتُغلق.

قصيدة البوصلة- لويس بورخيس

صورة
ليست الاشياء سوى كلمات، تنتمي لتلك اللغة؛ اللغة التي يمارسها شخص ما، شيء ما، يمارسها النهار والليل في ثرثرة لا منتهية، هذه الثرثرة في حدّ ذاتها هي تاريخ العالم. وفي هذا المزيج تجدْ؛ روما وقرطاج، تجدنا جميعاً: هو وأنت وأنا، تجد حياتي التي لا اقبض عليها، هذا الثقل المؤلم من الوجود الملغّز، العشوائي والشبيه بأحجية، كلّنا في هذا المزيج، وكلّ رطانة بابل تتدفق من خلالنا، وخلف كل اسم هناك شيء لا يحمل إسماً؛ اليوم أحسست بثقل ظلّه بهذه الابرة الزرقاء في توجهها المرتعش، إنها توجه ذاتها إلى أبعد مضيق، بشيء من ساعة تومض في حلم، بشيء من طائر يرتعش في نومه.

قصيدة لشاعر فنلندي (إينو لينو)

صورة
في هذا المساء، يملأ صوت طائر المرعة مسمعي، ويفيض ضوء القمر على حقول القمح، ويشتعل الحطب مغطّياً بدخانه _مثل وشاحٍ_ وديان القرى البعيدة. ها أنا احس بمتعة الصيف تعتريني. لستُ سعيداً، ولا حزيناً، ولا اتنهد؛ لكني أميل للغابة المعتمة الساكنة، لأني من الغيوم الوردية التي تبتلع الأيام؛ من التلال العاصفة التي تصير زرقاء في سكونها؛ من عطر زهرة الينيا.. وضلال الماء؛ لأني من هؤلاء خلقت أغنية قلبي. يا فتاتي الحلوة مثل حبة حنطة، يا سكينة قلبي، لا اغني إلا لكِ، يا صلاتي، ونغمي، يا إكليلاً من اغصان البلوط، خضراءً ونظرة. لن اُطارد السراب بعد الآن، فسعادتي احتظنها ها هنا بين يديّ. تضيق حلقة الحياة كل يوم ثم تُغلق، توقف الوقت الآن.. ونامت كل الديكة، وهذا الطريق المعتم أمامي أراه يأخذني لمكان أجهله.

التمشي مساءاً- قصيدة (تشارلز سيميك)

صورة
إنك تُنصتين لأفكاري أيتها الأشجار, تنحنين على الطريق الذي أمشيه وعلى هذا المساء الصيفيّ, إنّ كل واحدة منكنّ سلّم يهبطهُ الليل ببطء. وأوراق الاشجار مثل شفاه أُمّي, مرتعشة أبداً, لا تقرّر أي شيء. هناك الرياح التي تشبه أصواتاً مسموعة, أو فماً مليء بالضحكات المكتومة, فم ضخم أسود يسعنا جميعاً, أغلقتهُ يد ما فجأة. كلّ شيء ساكن, ضوء مساءات أخرى يتمشى في المكان, مساءات طويلة قديمة: لفساتين طويلة, لأحذية مدبّبة, لعُلب سيجار فضيّة. كم أنت سعيد أيها القلب, حين تلهثُ وراء ظلالهم المُتجمّدة. السماء لا زالت زرقاء, وطيور المساء تُشبه الأطفال: لا يحضروا للعشاء, أطفال ضائعون يهمسون بالأغاني لأنفسهُم.

حين تحكمنا المشاعر- ماريا يوتوني (قصة قصيرة من فنلندا)

صورة
-أنا سعيدة؟ لا, لماذا يجب أن أكون كذلك؟ لا, أنا لستُ سعيدة. -لكنك تزوجتِ, وكل شيء.. -قلتي تزوجت؟ صحيح, لقد تزوجت, لكن ما حدث كان رغماً عنّي. -رغماً عنكِ؟ -كونكِ فقيرة سيدفعك لفعل كثير من الأشياء رغماً عنكِ. -هل أجبرك أبواكِ على ذلك يا فيا؟ -لماذا قد أُعير أهمية لهم؟ ثم أن ليس لي أبوين. كان عندي أم, لكني لم أحظَ بأبٍ قط. ليس هناك ما يكفي من الآباء للعاملات المُستأجرات. -من أجبرك إذاً؟ -الحاجة, مثلما ترين, حين تكوني فقيرة ستتزوجين دون أن تفكري حتى. ثم أن الفقير يدرك تماماً أن الفعل الغبي هو فعل غبي, فيقوم به على أي حال. -صحيح. -ارأيتي, إن معي الحق. اسمعي, هذه هي قصة حياتي: كان هناك فتى في القرية يدعى آنتي, كان وسيماً ومتورداً مثل زهرة البلسم, كان يصرّ على تسمية مشاعره بالحب, وأنا صرت كذلك, أسمي مشاعري الحب, لكن وبدون سبب كما تلاحظين, أن ندعو مشاعرنا بالحب يجعلها ألطف, ثم أنك حين تكونين صغيرة ستسمين هذه المشاعر أي شيء, حتى لو أسميتيها نكتة. المهم أن هذا الآنتي جلب لي خبز قهوة فاخر واشياء كثيرة أخرى, بالمقابل كنت أنا لطيفة ومتجاوبة مع ما يفعله, ولماذا قد لا أفعل؟ أنا على الأقل أهتم بالآ

إيريكا- الكسيس كيفي (قصة قصيرة من فنلندا)

صورة
قصة من الأدب الكلاسيكي الفنلندي, نشرت أول مرة عام 1859 بعيداً عن القرية وفي اقصى الغابة المظلمة, يقع منزل مويستولا عند طرف المرج. البيت الريفيّ الثريّ, الذي يمتدحه الجميع, خاصة الفقراء, منذُ أن عُرفَ كمبيت وملجأ لهم, هذا البيت الذي نادراً ما مرّ يوم عليه دون أن يقدم عملاً خيرياً للمحتاجين. مظهر البيت ملفت للنظر, فإطارات النوافذ البيضاء أضفت شيئاً على سحره, وهناك عشر أشجار غُبيراء في الفناء, كتذكرة بالوصايا العشرة, كأن بطريك العائلة قد بارك المكان وهو يزرع الاشجار ليُمدّ بعمر جمال هذا البيت للأبد. وعلى مسافة قصيرة في الجهة الشمالية يمتد جبل: حافة هذا الجبل محاطة بغابة كثيفة من أشجار الصنوبر. بالتحديق إلى الغابة, يمكن للمرء أن يرى الأشجار وهي تشكّل صوراً غريبة كثيرة صوب السماء; أمّ تُجلس طفلاً على ركبتيها, صدرها عارٍ ووشاحها يرفرف مع هبّات الرياح الشمالية وبابتسامة معلّقة على وجهها تنظر لصغيرها الذي يرضع من صدرها الرزق الإلهيّ. هناك أيضاً شجرتا صنوبر تنتصبان مثل صديقين متعانقين. هناك راكب يحفّز حصانه الذي اندفع لاحقاً بحنق. هناك, في ميدان السماء, أبطالنا العظماء الذين انهمكوا بأفعا

الشجرة الأخيرة- بينتي هانبا (قصة قصيرة فنلندية)

صورة
سقط يوهو بيرنو, العجوز الضخم, بتثاقل على الأرض المغطاة بالصقيع, أخذ يلهث ويتحسس صدره بيده التي اخرجها من قفازه الشتوي, كانت يديه بيضاء كأرضية الغابة. كان الألم في مكان ما داخل صدره, ألم غير مُحتمل. لكنه أخذ بالتلاشي شيئاً فشيئاً وصار بمقدور العجوز التنفس بسلاسة, فملأ غليونه ببعض الطحالب المجففة وأخذ ينفث فيه. كانت روحه متعبة, ابرقت الافكار الحزينة في رأسه, بأنه وقت الرحيل, بإنه الوقت لترك كل شيء دفعة واحدة, فإنجازه في العمل لم يعد جيّداً, ولم يكن كذلك منذ وقت طويل, لقد أصبح ضعيفاً وبطيئاً. "إنه مريض في عمله", هذا ما يمكن للمرء قوله عن طريقة العجوز في تقطيع الخشب, كما أن ضربات فأسه لم تعد ضربات حقيقية, مجرد ضربات عابثة. ينتج عنها أكوام ضخمة نشار الخشب وإرهاق أكثر من أي وقتٍ مضى. كان عليه التصالح مع حقيقة أن زمانه قد مضى, أن الغابة لم تعد مكانه, ولا أيّ مكان آخر, وأنه يشارف على النهاية... مثل هذه الأفكار كانت قد راودته من قبل, لكنه كان يشعر بأنه ما يزال قوياً وصلباً. وكانت النشارة تتطاير, والأشجار تتساقط والأكوام تعلو أكثر فأكثر. ولم يكن هناك جدوى من الاستغناء عن هذا الترف.